الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
قال أبو محمد عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَخْذُ الشَّمْسِ فِي الزَّوَالِ وَالْمَيْلِ؛ فَلاَ يَحِلُّ ابْتِدَاءُ الظُّهْرِ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلاً، وَلاَ يُجْزِئُ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُهَا إلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ؛ لاَ يُعَدُّ فِي ذَلِكَ الظِّلُّ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي أَوَّلِ زَوَالِ الشَّمْسِ؛ وَلَكِنْ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا كَبَّرَ الإِنْسَانُ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ حِينَ ذَلِكَ فَمَا قَبْلَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلاَةَ الظُّهْرِ بِلاَ ضَرُورَةٍ فَإِذَا زَادَ الظِّلُّ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا: بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ؛ إلاَّ لِلْمُسَافِرِ الْمُجِدِّ فَقَطْ؛ وَدَخَلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ؛ فَمَنْ دَخَلَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجْزِهِ إلاَّ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ فَقَطْ، ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُ الدُّخُولِ فِي الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ كُلُّهَا؛ إلاَّ أَنَّنَا نَكْرَهُ تَأْخِيرَ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ إلاَّ لِعُذْرٍ: وَمَنْ كَبَّرَ لِلْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْرُبَ جَمِيعُ الْقُرْصِ: فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ فَإِذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي الْعَصْرِ، وَدَخَلَ أَوَّلُ وَقْتِ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، وَلاَ يُجْزِئُ الدُّخُولُ فِي صَلاَةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ غُرُوبِ جَمِيعِ الْقُرْصِ. ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ: فَمَنْ كَبَّرَ لِلْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ آخِرُ حُمْرَةِ الشَّفَقِ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ بِلاَ كَرَاهَةٍ، وَلاَ ضَرُورَةٍ. فَإِذَا غَرُبَتْ حُمْرَةُ الشَّفَقِ كُلُّهَا فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلاَةِ الْمَغْرِبِ؛ إلاَّ لِلْمُسَافِرِ الْمُجِدِّ، وَبِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَطْ؛ وَدَخَلَ وَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، وَهِيَ الْعَتَمَةُ، وَمَنْ كَبَّرَ لَهَا وَمِنْ الْحُمْرَةِ فِي الآُفُقِ شَيْءٌ لَمْ يَجْزِهِ. ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُ صَلاَةِ الْعَتَمَةِ إلَى انْقِضَاءِ نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ، وَابْتِدَاءِ النِّصْفِ الثَّانِي: فَمَنْ كَبَّرَ لَهَا فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلاَةَ الْعَتَمَةِ بِلاَ كَرَاهَةٍ، وَلاَ ضَرُورَةٍ فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلاَةِ الْعَتَمَةِ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي فَقَدْ دَخَلَ أَوَّلُ وَقْتِ صَلاَةِ الصُّبْحِ؛ فَلَوْ كَبَّرَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجْزِهِ، وَيَتَمَادَى وَقْتُهَا إلَى أَنْ يَطْلُعَ أَوَّلُ قُرْصِ الشَّمْسِ: فَمَنْ كَبَّرَ لَهَا قَبْلَ طُلُوعِ أَوَّلِ الْقُرْصِ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلاَةَ الصُّبْحِ إلاَّ أَنَّنَا نَكْرَهُ تَأْخِيرَهَا عَنْ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ أَوَّلِ الْقُرْصِ إلاَّ لِعُذْرٍ؛ فَإِذَا طَلَعَ أَوَّلُ الْقُرْصِ فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ كُلِّ صَلاَةٍ ذَكَرْنَاهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَهَا: لاَ صَبِيٌّ يَبْلُغُ، وَلاَ حَائِضٌ تَطْهُرُ، وَلاَ كَافِرٌ يُسْلِمُ، وَلاَ يُصَلِّي هَؤُلاَءِ إلاَّ مَا أَدْرَكُوا فِي الأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنَّهُ إنْ زَالَتْ لَهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ نَازِلٌ أَوْ غَرُبَتْ لَهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ نَازِلٌ: فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ، وَلاَ فَرْقَ: يُصَلِّي كُلَّ صَلاَةٍ لِوَقْتِهَا، وَلاَ بُدَّ. فَإِنْ زَالَتْ لَهُ الشَّمْسُ وَهُوَ مَاشٍ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِلْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ. وَإِنْ غَابَتْ لَهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ مَاشٍ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَتَمَةِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ، وَأَمَّا بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا؛ ثُمَّ يُصَلِّي الْعَصْرَ إذَا سَلَّمَ مِنْ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ. وَأَمَّا بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إلاَّ بِمُزْدَلِفَةَ أَيَّ وَقْتٍ جَاءَهَا؛ فَإِنْ جَاءَهَا فِي وَقْتِ الْعَتَمَةِ صَلاَّهَا، ثُمَّ صَلَّى الْعَتَمَةَ، وَأَمَّا النَّاسِي لِلصَّلاَةِ وَالنَّائِمُ عَنْهَا فَإِنَّ وَقْتَهَا مُتَمَادٍ أَبَدًا لاَ بُدَّ، وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلاَةً عَنْ وَقْتِهَا الَّذِي ذَكَرْنَا، وَلاَ يُجْزِئُهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلاَ أَنْ يُقَدِّمَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الَّذِي ذَكَرْنَا، لاَ يُجْزِئُهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ وقال أبو حنيفة فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ؛ وَوَقْتُ الْعَتَمَةِ الْمُسْتَحَبُّ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَإِلَى نِصْفِهِ، وَيَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنْ كُرِهَ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ. وَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، وَلاَ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ إلَى وَقْتِ الْعَتَمَةِ: لِلْمُسَافِرِ الْمُجِدِّ وَرَأَى مَالِكٌ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ ذَهَابَ عَقْلِهِ، وَلِلْمُسَافِرِ الَّذِي يُرِيدُ الرَّحِيلَ: أَنْ يُقَدِّمَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَالْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ. وَرَأَى لِمَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَطَرِ وَالظُّلْمَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ قَلِيلاً وَتُقَدِّمَ الْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَلاَ يُتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا؛ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ لِخَوْفِ عَدُوٍّ، وَلاَ رَأَى ذَلِكَ فِي نَهَارِ الْمَطَرِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَرَأَى وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يَمْتَدَّانِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِدْرَاكِ الظُّهْرِ وَرَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ جَمِيعِهَا وَرَأَى وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ يَمْتَدَّانِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْمَغْرِبَ وَرَكْعَةً مِنْ الْعَتَمَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَرَأَى الشَّافِعِيُّ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَسَطِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ فِي وَسَطِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ: لِمَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ خَاصَّةً فِي الْمَطَرِ. وَرَأَى وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مُشْتَرَكًا مُمْتَدًّا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ مُشْتَرَكًا مُمْتَدًّا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. هَذَا مَعَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مَالِكٍ: إنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إلاَّ وَقْتٌ وَاحِدٌ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ ظَاهِرَةُ التَّنَاقُضِ بِلاَ بُرْهَانٍ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ هُوَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَا هَمَّامُ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْمَرَاغِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ وَقْتِ صَلاَةِ الظُّهْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتُ صَلاَةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلَمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حدثنا أُبَيٌّ، حدثنا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ وَالنَّاسُ لاَ يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ وَقَعَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنْ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلِ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَالَ: الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد الْخُرَيْبِيِّ عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ بِإِسْنَادِهِ: وَفِيهِ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ صَلَّى الْفَجْرَ فَانْصَرَفَ . فَقُلْنَا: طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَقَامَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَصَلَّى الْعَصْرَ وَقَدْ اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ أَوْ قَالَ: أَمْسَى. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ ابْنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنِي أَبِي وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ زُهَيْرٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِلصَّلاَةِ أَوَّلاً وَآخِرًا: وَإِنَّ أَوَّلَ صَلاَةِ الظُّهْرِ: حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَآخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ: حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ: حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ يَغِيبُ الآُفُقُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ: حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَجْرِ: حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا اعْتِلاَلُ مَنْ اعْتَلَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِأَنَّ قَتَادَةَ أَسْنَدَهُ مَرَّةً وَأَوْقَفَهُ أُخْرَى، وَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ، بَلْ هُوَ قُوَّةٌ لِلْحَدِيثِ، إذَا كَانَ الصَّاحِبُ يَرْوِيهِ مَرَّةً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُفْتِي بِهِ أُخْرَى وَهَذَا جَهْلٌ مِمَّنْ تَعَلَّلَ بِهَذَا، وَقَوْلٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَيْهِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ قَلَّدَ فِيهِ مَنْ ظَنَّهُ. وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا مَنْ تَعَلَّلَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى مُجَاهِدٍ وَهَذَا أَيْضًا دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَمَا يَضُرُّ إسْنَادُ مَنْ أَسْنَدَ إيقَافَ مَنْ أَوْقَفَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ، مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ؛ فَوَاجِبٌ الأَخْذُ بِالزَّائِدِ؛ وَاَلَّذِي فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ. لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِاشْتِرَاكِ وَقْتَيْهِمَا؛ لاَِنَّهُ عليه السلام قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ. وَنَصَّ عليه السلام عَلَى بُطْلاَنِ الاِشْتِرَاكِ، كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حدثنا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ هُوَ الْبُنَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ: أَنْ تُؤَخِّرَ صَلاَةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى. فَلاَ بُدَّ مِنْ جَمْعِهَا كُلِّهَا لِصِحَّتِهَا فَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَبَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِلظُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا؛ فَصَارَ مُصَلِّيًا لَهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَهَذَا حَسَنٌ وَالْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ زَائِدٌ عَلَى سَائِرِ الأَخْبَارِ؛ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ وَاجِبٌ قَبُولُهَا وَكَذَلِكَ هُوَ زَائِدٌ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ. وَفِيهِ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ، وهذا الخبر زَائِدٌ عَلَى الآثَارِ الَّتِي فِيهَا وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ زِيَادَةِ الْعَدْلِ وَهَذِهِ الأَخْبَارُ كُلُّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلاَّهَا فِيهِ بِالأَمْسِ وَقْتًا وَاحِدًا. وَهَذِهِ الأَخْبَارُ كُلُّهَا مُبْطِلَةٌ قَوْلَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إلاَّ وَقْتٌ وَاحِدٌ؛ وَهُوَ قَوْلٌ يَبْطُلُ مِنْ جِهَاتٍ: مِنْهَا: مَا قَدْ صَحَّ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ بِإِسْنَادِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّهُ عليه السلام قَرَأَ فِي صَلاَةِ الْمَغْرِبِ سُورَةَ الأَعْرَافِ، وَسُورَةَ الطُّورِ، وَالْمُرْسَلاَتِ. فَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَكَانَ عليه السلام مُصَلِّيًا لَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ تَخْتَلِفُ؛ فَبَعْضُهَا لاَ مَنَارَ لَهَا؛ وَهِيَ ضَيِّقَةُ السَّاحَةِ جِدًّا؛ فَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ مُسْرِعًا وَيُصَلِّي، وَبَعْضُهَا وَاسِعَةُ الصُّحُونِ: كَالْجَوَامِعِ الْكِبَارِ، وَعَالِيَةُ الْمَنَارِ؛ فَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ مُسْتَرْسِلاً ثُمَّ يَنْزِلُ؛ فَلاَ سَبِيلَ أَنْ يُقِيمَ الصَّلاَةَ إلاَّ وَأَئِمَّةُ الْمَسَاجِدِ قَدْ أَتَمُّوا؛ هَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فِي جَمِيعِ الْمُدُنِ. فَعَلَى قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ: كَانَ يَجِبُ أَنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يُصَلُّوا الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا وَأَيْضًا: فَيَسْأَلُونَ: مَتَى يَنْقَضِي وَقْتُهَا عِنْدَكُمْ فَلاَ يَأْتُونَ بِحَدٍّ أَصْلاً، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةٌ مَحْدُودَةٌ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ حَدَّهَا، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا وَهَذِهِ الأَخْبَارُ أَيْضًا: تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ بِاشْتِرَاكِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ وَبِاشْتِرَاكِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ وَلَمْ يَأْتِ خَبَرٌ يُعَارِضُهَا فِي هَذَا أَصْلاً وَحُكْمُ عَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ: حُكْمٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي ذَيْنِك الْمَوْضِعَيْنِ فَقَطْ بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ بِلاَ خِلاَفٍ عَلَى أَنَّ إمَامًا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ؛ ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، كَحُكْمِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ أَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي إثْرِ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ: لَكَانَ مُخْطِئًا مُسِيئًا؛ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ فَاسِدَ الصَّلاَةِ فَصَحَّ: أَنَّهُمْ خَالَفُوا الْقِيَاسَ وَالنُّصُوصَ: أَمَّا النُّصُوصُ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا، وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَإِنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا أَنْ يَجُوزَ، وَأَنْ يَلْزَمَ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ: مَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُ فِي عَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ؛ فَيَكُونُ الْحُكْمُ: أَنْ تُصَلِّيَ الْعَصْرَ أَبَدًا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَأَنْ تُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ أَبَدًا إلَى بَعْدِ غُرُوبِ الشَّفَقِ، وَهُمْ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ هَذَا؛ وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ فَظَهَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقِيسُوا قَوْلَهُمْ فِي اشْتِرَاكِ الأَوْقَاتِ عَلَى حُكْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، وَلَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ بِمُزْدَلِفَةَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلَمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عُقَيْلٍ عن ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا عَجَّلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ، وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا إذَا جَدَّ بِهِ السَّفَرُ. وهذا الخبر: يَقْضِي عَلَى كُلِّ خَبَرٍ جَاءَ بِأَنَّهُ عليه السلام جَمَعَ بَيْنَ صَلاَتَيْ: الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ وَبَيْنَ صَلاَتَيْ: الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِ خَبَرٍ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِ السَّفَرِ: فَلاَ سَبِيلَ أَلْبَتَّةَ إلَى وُجُودِ خَبَرٍ فِيهِ: الْجَمْعُ بِتَقْدِيمِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ. وَلاَ بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ لَهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَلاَ بِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ لَهَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ. وَلاَ بِتَقْدِيمِ الْعَتَمَةِ إلَى قَبْلِ غُرُوبِ الشَّفَقِ، فَإِذْ لاَ سَبِيلَ إلَى هَذَا؛ فَمَنْ قَطَعَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى تِلْكَ الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا الْجَمْعُ؛ فَقَدْ أَقْدَمَ عَلَى الْكَذِبِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَنَحْنُ نَرَى الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ ثُمَّ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَبَدًا بِلاَ ضَرُورَةٍ، وَلاَ عُذْرٍ، وَلاَ مُخَالَفَةَ لِلسُّنَنِ؛ لَكِنْ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا؛ فَيُبْتَدَأُ فِي وَقْتِهَا وَيُسَلِّمُ مِنْهَا وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ؛ فَيُؤَذَّنُ لِلْعَصْرِ، وَيُقَامُ وَتُصَلَّى فِي وَقْتِهَا؛ وَتُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا؛ فَيُكَبِّرُ لَهَا فِي وَقْتِهَا وَيُسَلِّمُ مِنْهَا، وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ: فَيُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ وَتُصَلَّى الْعِشَاءُ فِي وَقْتِهَا. فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا الْعَمَلِ مُوَافَقَةُ الأَحَادِيثِ كُلِّهَا؛ وَمُوَافَقَةُ يَقِينِ الْحَقِّ: فِي أَنْ تُؤَدَّى كُلُّ صَلاَةٍ فِي وَقْتِهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِنْ ادَّعُوا الْعَمَلَ بِالْجَمْعِ بِالْمَدِينَةِ؛ فَلاَ حُجَّةَ فِي عَمَلِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ، وَلاَ يَجِدُونَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،: صِفَةَ الْجَمْعِ الَّذِي يَرَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ؛ وَقَدْ أَنْكَرَهُ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ وَالْعَجَبُ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِي الْجَمْعِ: هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلاَ سَفَرٍ. قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ فِي مَطَرٍ، وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلاَ مَطَرٍ قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إلَى ذَلِكَ. قَالَ: أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا؛ وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ خِلاَفٌ لِقَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلاَ صِفَةُ الْجَمْعِ؛ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِمَا عَلَيْنَا فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ فَأَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا؛ ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. فَهَذَا أَيْضًا كَمَا قلنا: لَيْسَ فِيهِ صِفَةُ الْجَمْعِ عَلَى مَا يَقُولُونَ؛ فَلَيْسُوا أَوْلَى بِظَاهِرِهِ مِنَّا، وَهَذَا أَيْضًا: خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ، وَإِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ؛ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. فَهَذَا خَبَرٌ سَاقِطٌ؛ لاَِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا؛ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ عليه السلام عَجَّلَ الْعَصْرَ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَالْعَتَمَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَمَنْ تَأَمَّلَ لَفْظَ الْخَبَرِ رَأَى ذَلِكَ وَاضِحًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ؛ وَإِنَّمَا هِيَ ظُنُونٌ أَعْمَلُوهَا؛ فَزَلَّ فِيهَا مَنْ زَلَّ بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ سَوَاءً سَوَاءً فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ؛ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلاَّهَا مَعَ الْمَغْرِبِ.: فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَرْدَى حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ هَكَذَا إلاَّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَلاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِيَزِيدَ سَمَاعًا مِنْ أَبِي الطُّفَيْلِ وَالثَّانِي: أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ " صَاحِبُ رَايَةِ الْمُخْتَارِ " وَذُكِرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ وَالثَّالِثُ: أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ مُؤَلِّفِ الصَّحِيحِ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْت لِقُتَيْبَةِ: مَعَ مَنْ كَتَبْت عَنْ اللَّيْثِ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا بِعَيْنِهِ قَالَ: فَقَالَ لِي قُتَيْبَةُ: كَتَبْته مَعَ خَالِدٍ الْمَدَائِنِيِّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ خَالِدٌ الْمَدَائِنِيُّ يُدْخِلُ الأَحَادِيثَ عَلَى الشُّيُوخِ يُرِيدُ: أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ فِي رِوَايَتِهِمْ مَا لَيْسَ مِنْهَا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ خِلاَفٌ لِقَوْلِنَا؛ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام قَدَّمَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلاَ أَنَّهُ عليه السلام قَدَّمَ الْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ فِي اشْتِرَاكِ الْوَقْتَيْنِ؛ وَفِي تَقْدِيمِ صَلاَةٍ إلَى وَقْتِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ وَتَأْخِيرِهَا إلَى وَقْتِ غَيْرِهَا بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ لاَ سِيَّمَا مَعَ نَصِّهِ عليه السلام عَلَى أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ. وَأَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغْرُبْ الآُفُقُ، وَأَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ إذَا غَابَ الآُفُقُ فَهَذَا نَصٌّ يُبْطِلُ الاِشْتِرَاكَ جُمْلَةً، وَأَمَّا النَّاسِي وَالنَّائِمُ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا. فَصَحَّ أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ لِلنَّاسِي وَلِلنَّائِمِ أَبَدًا، وَكَذَلِكَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ مُمْتَدٌّ لِلْمُجِدِّ فِي السَّيْرِ، وَفِي مُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ: مُنْتَقِلٌ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ. وَانْتِقَالُ الأَوْقَاتِ أَوْ تَمَادِيهَا أَوْ حَدُّهَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ إلاَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْتَزِمُوا قِيَاسًا فِي شَيْءٍ مِمَّا قَالُوهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِحَدِيثٍ ذَكَرَ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ جَبْرَائِيلُ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَأَمَرَهُ بِصَلاَةِ الظُّهْرِ. قَالُوا: فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ يَدْرِي أَمْرَهُ بِابْتِدَاءِ الصَّلاَةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لاَِنَّ الظِّلَّ لاَ يَسْتَقِرُّ قال علي: وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ؛ لاَِنَّ أَبَا بَكْرٍ هَذَا لَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي مَسْعُودٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ جَرَوْا فِيهِ عَلَى عَادَةٍ لَهُمْ فِي تَوْثِيبِ أَحْكَامِ الأَحَادِيثِ إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ، وِتْرِكِ مَا فِيهَا، وَذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لاَ إشَارَةٌ، وَلاَ دَلِيلٌ، وَلاَ مَعْنَى يُوجِبُ امْتِدَادَ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ. وَلاَ فِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام ابْتَدَأَ الصَّلاَةَ بَعْدَ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَلَى الْمِثْلِ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ جَوَازُ ابْتِدَاءِ الصَّلاَةِ حِينَ يَصِيرُ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ؛ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي أَمَرَهُ فِيهِ جِبْرِيلُ بِأَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِيهِ، لاَ فِيمَا بَعْدَهُ وَذَكَرَ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ ذَكَرَ عليه السلام الآُجَرَاءَ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ غَدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؛ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ الْعَصْرِ إلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ، وَهُمْ نَحْنُ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً فَقَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ قَالُوا: لاَ؛ قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ. وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَيْضًا الْمَأْثُورُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا؛ وَفِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُمْ قَالَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا إلَى حِينِ صَلاَةِ الْعَصْرِ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ؛ فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ . فَقَالَ الْمُحْتَجُّ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: لَوْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ يَخْرُجُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ظِلِّ الْمِثْلِ، وَيَدْخُلُ حِينَئِذٍ وَقْتُ الْعَصْرِ: لَكَانَ مِقْدَارُ وَقْتِ الْعَصْرِ مِثْلَ مِقْدَارِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي ذَيْنِك الْخَبَرَيْنِ. قال أبو محمد: وَهَذَا مِمَّا قلنا مِنْ تِلْكَ الْعَوَائِدِ الْمَلْعُونَةِ، وَالإِيهَامِ بِتَوْثِيبِ الأَحَادِيثِ عَمَّا فِيهَا إلَى مَا لَيْسَ فِيهَا. وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لاَ بِدَلِيلٍ، وَلاَ بِنَصٍّ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ أَوْسَعُ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ أَجْرًا؛ فَمَنْ أَضَلُّ وَأَخْزَى فِي الْمَعَادِ مِمَّنْ جَعَلَ قَوْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِي لَمْ يُصَدِّقْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً يَرُدُّ بِهَا تَمْوِيهًا وَتَخَيُّلاً نَصُّ قَوْلِهِ عليه السلام: إنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مَا دَامَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ. فَكَيْفَ وَاَلَّذِي قَالَتْ الْيَهُودُ لاَ يُخَالِفُ مَا حَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ؛ وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لاَِنَّ الْوَقْتَ الَّذِي عَمِلُوهُ كُلُّهُمْ أَكْثَرُ مِمَّا عَمِلْنَاهُ نَحْنُ؛ بَلْ الَّذِي عَمِلَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي عَمِلْنَاهُ نَحْنُ وَاَلَّذِي مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ أَكْثَرُ مِمَّا فِي حِينِ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَلَى الْمِثْلِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ أَقَلُّ مِمَّا أَخَذْنَا وَفِي الْحَدِيثِ الآخَرِ إنَّمَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ . وَهَذَا حَقٌّ؛ لاَِنَّ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ يَسِيرًا بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ، مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، نَعَمْ وَبِالإِضَافَةِ أَيْضًا إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى قَوْلِنَا؛ لاَِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ يَسِيرٌ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ؛ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ ' عليه السلام إنَّمَا عَنَى آخِرَ أَوْقَاتِ الْعَصْرِ، وَهُوَ مِقْدَارُ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ آخِرِ الْقُرْصِ: لَصَدَقَ؛ لاَِنَّهُ عليه السلام قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ بُعِثَ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ، وَضَمَّ أُصْبُعَهُ إلَى الآُخْرَى وَأَنَّنَا فِي الآُمَمِ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ فَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَتَّفِقَ أَخْبَارُهُ كُلُّهَا؛ بَلْ لاَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: إنَّ وَقْتَ الْعَتَمَةِ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَزَادَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ امْتِدَادَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ: فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ، وَخِلاَفٌ لِجَمِيعِ الأَحَادِيثِ، أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا؛ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ بِيَقِينٍ، وَقَدْ احْتَجَّ فِي هَذَا بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلاَةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى وَرَامُوا بِهَذَا اتِّصَالَ وَقْتِ الْعَتَمَةِ بِوَقْتِ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَإِنَّ هَذَا لاَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوهُ أَصْلاً، وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ أَنَّ وَقْتَ صَلاَةِ الْفَجْرِ لاَ يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ صَلاَةِ الظُّهْرِ فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لاَ يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِ وَقْتِ كُلِّ صَلاَةٍ بِوَقْتِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا فِيهِ مَعْصِيَةُ مَنْ أَخَّرَ صَلاَةً إلَى وَقْتِ غَيْرِهَا فَقَطْ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ آخِرُ وَقْتِهَا بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ لَهَا، أَمْ لَمْ يَتَّصِلْ وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ لاَ يَكُونُ مُفَرِّطًا أَيْضًا مَنْ أَخَّرَهَا إلَى خُرُوجِ وَقْتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ أُخْرَى، وَلاَ أَنَّهُ يَكُونُ مُفَرِّطًا؛ بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَلَكِنَّ بَيَانَهُ فِي سَائِرِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا نَصٌّ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ كُلِّ صَلاَةٍ. وَالضَّرُورَةُ تُوجِبُ أَنَّ مَنْ تَعَدَّى بِكُلِّ عَمَلٍ وَقْتَهُ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِذَلِكَ الْعَمَلِ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ، وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا فَمَعْصِيَةٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ تَقَدَّمَ وَتَأَخَّرَ، مَقْطُوعٌ عَلَيْهِ مُتَيَقَّنٌ، وَمَنْ شَبَّهَ الصَّلاَةَ بِالدَّيْنِ، لَزِمَهُ إجَازَةُ تَقْدِيمِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا؛ كَالدَّيْنِ يُقَدَّمُ قَبْلَ أَجَلِهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِعِصْيَانِ مَنْ أَخَّرَهَا عَامِدًا قَادِرًا عَنْ وَقْتِهَا، كَالدَّيْنِ يَمْطُلُ بِأَدَائِهِ عَنْ وَقْتِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ خَالَفُوهُ فَإِنْ ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى قَوْلِهِمْ كَذَبُوا، فَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ جَوَازُ تَقْدِيمِ الصَّلاَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَمَا جَازَ قَطُّ عِنْدَ أَحَدٍ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إنْكَارُ أَبِي حَنِيفَةَ تَأْخِيرَ الْمُسَافِرِ الَّذِي جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَلَمْ يَنْزِلْ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلاَ بَعْدَهُ صَلاَةَ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ كَغَيْرِهِ وَتَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ إلَى وَقْتِ الْعَتَمَةِ كَغَيْرِهِ: فَهُوَ خِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ رَوَاهَا أَنَسٌ، وَابْنُ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ أَنَسٍ؛ وَغَنِيّنَا بِهَا عَنْ ذِكْرِ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَلاَ أَعْجَبَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ الْعَتَمَةَ . فَقَالَ هَذَا الْمَفْتُونُ: إنَّمَا أَرَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ؛ فَقَالَ: بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ عَلَى الْمُقَارَبَةِ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ مُجَاهَرَةٌ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَسْهِلْهَا ذُو وَرَعٍ وَحَيَاءٍ أَنْ يَقُولَ الثِّقَةُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ فَيَقُولُ قَائِلٌ: إنَّمَا أَرَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ دَخَلَ فِي طَرِيقِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيُفَسِّرُونَ الْجِبْتَ وَالطَّاغُوتَ وَأَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً عَلَى مَا هُمْ أَوْلَى بِهِ وَفِي هَذَا بُطْلاَنُ جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ، وَبُطْلاَنُ جَمِيعِ الْمَعْقُولِ، وَالسَّفْسَطَةُ الْمُجَرَّدَةُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ. وَأَمَّا قوله تعالى: وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ بِتَقْدِيمِ الْمَرِيضِ الَّذِي يُخْشَى ذَهَابُ عَقْلِهِ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ: خَطَأٌ ظَاهِرٌ. وَلاَ يَخْلُو وَقْتُ الظُّهْرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا وَقْتًا لِلْعَصْرِ، وَيَكُونُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَقْتًا لِلْعَتَمَةِ، أَوْ لاَ يَكُونُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ وَقْتُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَقْتًا لِلْعَصْرِ وَلِلْعَتَمَةِ أَيْضًا: فَتَقْدِيمُ الْعَتَمَةِ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ الَّذِي هُوَ وَقْتٌ لَهَا وَتَقْدِيمُ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ الَّذِي هُوَ وَقْتٌ لَهَا أَيْضًا: جَائِزٌ لِغَيْرِ الْمَرِيضِ؛ لاَِنَّهُ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ وَالْعَصْرَ أَيْضًا فِي وَقْتَيْهِمَا، وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُهُ. وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْعَصْرِ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْعَتَمَةِ: فَقَدْ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةً قَبْلَ وَقْتِهَا، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ وَلَئِنْ جَازَ ذَلِكَ فِي هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ لَيَجُوزَنَّ ذَلِكَ لَهُ أَيْضًا فِي تَقْدِيمِ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَتَقْدِيمِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَتَقْدِيمِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُهُ فَقَدْ ظَهَرَ التَّنَاقُضُ فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَقْتًا لِلْعَصْرِ إلاَّ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يُخْشَى ذَهَابُ عَقْلِهِ: كُلِّفَ الدَّلِيلَ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ الْمُدَّعَى بِلاَ بُرْهَانٍ، وَاَلَّذِي لاَ يَعْجَزُ عَنْ مِثْلِهِ أَحَدٌ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلاَنَ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ فِي الْجَمْعِ وَفِي اشْتِرَاكِ الْوَقْتَيْنِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَهُنَا حَدِيثٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ؛ لِئَلاَّ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّنَا أَغْفَلْنَاهُ، وَأَنَّ فِيهِ مَعْنًى زَائِدًا وَهُوَ حَدِيثٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الآخِرَةَ لِمَغِيبِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ ثَالِثَةٍ. قَالَ عَلِيٌّ: بَشِيرُ بْنُ ثَابِتٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلاَّ أَبُو بِشْرٍ، وَلاَ رَوَى عَنْهُ أَبُو بِشْرٍ إلاَّ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَدْ وُثِّقَ وَتُكُلِّمَ فِيهِ، وَهُوَ إلَى الْجَهَالَةِ أَقْرَبُ وَحَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَكَاتِبُهُ؛ وَلَيْسَ مَشْهُورَ الْحَالِ فِي الرُّوَاةِ. وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي أَنَّ هَذَا هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَتَمَةِ؛ بَلْ قَدْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَالْقَمَرُ يَغِيبُ لَيْلَةً ثَالِثَةً فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ بَعْدَ ذَهَابِ سَاعَتَيْنِ وَنِصْفِ سَاعَةٍ وَنِصْفِ سُبْعِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْمُجَزَّأَةِ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَالشَّفَقُ الَّذِي هُوَ الْبَيَاضُ يَتَأَخَّرُ، وَالشَّفَقُ الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ يَغِيبُ قَبْلَ سُقُوطِ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ بِحِينٍ كَبِيرٍ جِدًّا مُغَيَّبَةً بَعْدَ سُقُوطِ الْقَمَرِ لَيْلَةً ثَالِثَةً سَاعَةً وَنِصْفًا مِنْ السَّاعَاتِ الْمَذْكُورَةِ. فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَوْ صَحَّ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ أَصْلاً مِمَّا يَخْتَلِفُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَتَعْجِيلُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ حَاشَا الْعَتَمَةِ؛ فَإِنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فِي كُلِّ حَالٍ وَكُلِّ زَمَانٍ أَفْضَلُ؛ إلاَّ أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ؛ فَالرِّفْقُ بِهِمْ أَوْلَى، وَحَاشَا الظُّهْرِ لِلْجَمَاعَةِ خَاصَّةً فِي شِدَّةِ الْحَرِّ خَاصَّةً، فَالإِبْرَادُ بِهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: إذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ فَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ؛ وَهَذِهِ الأَخْبَارُ زَائِدَةٌ عَلَى كُلِّ خَبَرٍ وَالسَّنَدُ الْمَذْكُورُ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ سَمِعْت مُهَاجِرًا أَبَا الْحَسَنِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْرِدْ أَبْرِدْ، أَوْ قَالَ: انْتَظِرْ انْتَظِرْ، إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلاَةِ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنَّمَا لَمْ نَحْمِلْ هَذَا الأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ خَبَّابٍ شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِدَّةَ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا. قُلْت لاَِبِي إِسْحَاقَ: أَفِي الظُّهْرِ فِي تَعْجِيلِهَا قَالَ: نَعَمْ وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ مَا تَخَيَّرْنَاهُ فِي الأَوْقَاتِ عَنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَأَبْرِدْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ الْمُهَاجِرِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ حِينَ تَزِيغُ الشَّمْسُ أَوْ حِينَ تُدْرِكُ، وَصَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، وَصَلِّ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَصَلِّ صَلاَةَ الْعِشَاءِ مِنْ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ: أَيْ حِينَ تَبِيتُ، وَصَلِّ صَلاَةَ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ، أَوْ بِسَوَادٍ؛ وَأَطِلْ الْقِرَاءَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ: حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حدثنا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرُبَتْ الشَّمْسُ وَبَدَتْ النُّجُومُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لاَ يَفْتُرُ، وَلاَ يَنْثَنِي: الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتُعَلِّمُنِي بِالسُّنَّةِ، لاَ أُمَّ لَكَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَ عَنْ تَفْرِيطِ الصَّلاَةِ فَقَالَ: أَنْ تُؤَخِّرَهَا إلَى الَّتِي بَعْدَهَا حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقُلْت لِنَافِعٍ: حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ قَالَ: نَعَمْ. قال علي: هذا الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي فِيهِ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، أَنْ تُؤَخِّرَ صَلاَةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ أَقْدَمَ بِالْعَظِيمَةِ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ذَاكِرًا لَهَا حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ؛ لاَِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ عليه السلام قَدْ تَعَمَّدَ حَالاً مِنْ الْحِرْمَانِ صَارَ فِيهَا كَمَا لَوْ وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، قَاصِدًا إلَى مَا ذَمَّهُ مِنْ التَّفْرِيطِ، وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ. وبه إلى ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: إمَامٌ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ؛ أُصَلِّيهَا مَعَهُ قَالَ: نَعَمْ، الْجَمَاعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ قُلْت: وَإِنْ اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ وَلَحِقَتْ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ تَغِبْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَكَانَ طَاوُوس يُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَيُؤَخِّرُهَا؛ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ حَتَّى تَصْفَرَّ الشَّمْسُ جِدًّا. وَأَمَّا الآخَرُ: الَّذِي فِيهِ لاَ تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الصَّلاَةَ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ؛ لاَِنَّهُ مُرْسَلٌ؛ لَمْ يُسْنَدْ إلاَّ مِنْ طَرِيقِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامُ. وقال أبو حنيفة: وَقْتُ صَلاَةِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ الْمُعْتَرِضُ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، يَعْنِي إثْرَ سَلاَمِهِ مِنْهَا قَالَ: وَتَأْخِيرُهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ التَّغْلِيسِ بِهَا؛ لاَِنَّهُ أَكْثَرُ لِلْجَمَاعَةِ. وَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنْ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إلَى أَنْ يَكُونَ الظِّلُّ دُونَ الْقَامَتَيْنِ؛ وَالتَّهْجِيرُ بِهَا فِي الشِّتَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ: وَأَنْ يُبْرِدَ بِهَا فِي الصَّيْفِ أَعْجَبُ إلَيَّ. وَوَقْتُ الْعَصْرِ إذَا كَانَ الظِّلُّ قَامَتَيْنِ إلَى قَبْلِ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، يُرِيدُ: أَنْ يُكَبِّرَ لَهَا قَبْلَ تَمَامِ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ وَتَأْخِيرُهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مُذْ تَغْرُبُ الشَّمْسُ إلَى أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَتَعْجِيلُهَا أَحَبُّ إلَيْهِ. وَوَقْتُ الْعَتَمَةِ مُذْ يَغِيبُ الشَّفَقُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ، وَوَقْتُهَا يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ مَا قَالَ مِمَّا خَالَفْنَاهُ فِيهِ فَقَدْ أَبَدَيْنَا بِالْبُرْهَانِ سُقُوطَ قَوْلِهِ؛ إلاَّ تَأْخِيرَ الصُّبْحِ، فَإِنَّهُ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ [ بِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَسْفِرُوا بِصَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لاَِجْرِكُمْ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ، فَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ أَوْ لاَِجْرِكُمْ قَالَ عَلِيٌّ: مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ ثِقَةٌ، وَهُوَ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ لَبِيدٍ. وَالْخَبَرُ صَحِيحٌ إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إذَا أُضِيفَ إلَى الثَّابِتِ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام فِي التَّغْلِيسِ؛ حَتَّى إنَّهُ لَيَنْصَرِفُ وَالنِّسَاءُ لاَ يُعْرَفْنَ، أَوْ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ وَجْهَ جَلِيسِهِ الَّذِي كَانَ يَعْرِفُهُ، وَأَنَّ هَذَا كَانَ الْمُدَاوَمُ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِهِ. عليه السلام صَحَّ أَنَّ الإِسْفَارَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِأَنْ يَنْقَضِيَ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَلاَ يُصَلِّيَ عَلَى شَكٍّ مِنْهُ فإن قيل: إنَّهُ لاَ أَجْرَ فِي غَيْرِ هَذَا، بَلْ مَا فِيهِ إلاَّ الإِثْمُ قلنا: هَذَا لاَ يُنْكَرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ؛ لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ، وَلاَ خَيْرَ فِي خِلاَفِ ذَلِكَ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّفُ أُمَّتَهُ وَأَصْحَابَهُ الْمَشَقَّةَ فِي تَرْكِ النَّوْمِ أَلَذَّ مَا يَكُونُ، وَخُرُوجُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ: عَمَلاً فِيهِ مَشَقَّةٌ وَكُلْفَةٌ وَحَطِيطَةٌ مِنْ الأَجْرِ؛ وَيَمْنَعُهُمْ الْفَضْلَ وَالأَجْرَ مَعَ الرَّاحَةِ؛ حَاشَا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا؛ فَهَذَا ضِدُّ النَّصِيحَةِ، وَعَيْنُ الْغِشِّ وَالْحَرَجِ وَالظُّلْمِ. وَمَا نَدْرِيهِمْ تَعَلَّقُوا فِي هَذَا إلاَّ بِرِوَايَةٍ عن ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّغْلِيسِ بِصَلاَةِ الصُّبْحِ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَوْلُهُ رضي الله عنه: إنَّهَا صَلاَةٌ حُوِّلَتْ عَنْ وَقْتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَهَذَا خَبَرٌ مُسْقِطٌ لِقَوْلِهِمْ جُمْلَةً؛ لاَِنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ جُمْلَةً؛ إذْ قَوْلُهُمْ الَّذِي لاَ خِلاَفَ عَنْهُمْ فِيهِ: أَنَّ التَّغْلِيسَ بِهَا فِي أَوَّلِ الْفَجْرِ لَيْسَ صَلاَةً لَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ بَلْ هُوَ وَقْتُهَا عِنْدَهُمْ فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يُمَوِّهُ بِحَدِيثٍ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ؛ وَيُوهِمُ خَصْمَهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي اخْتِيَارِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ: فَقَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ وَلِجَمِيعِ السُّنَنِ، وَلِجَمِيعِ السَّلَفِ؛ وَلِلْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وقال مالك: وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالصُّبْحُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَحَبُّ إلَيْهِ فِي الصُّبْحِ: التَّغْلِيسُ. وَأَحَبُّ إلَيْهِ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ: أَنْ تُصَلَّى فِي الْبَرْدِ وَالْحَرِّ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا، وَأَحَبُّ إلَيْهِ: أَنْ تُصَلَّى الْعَصْرُ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ وَتَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ إلاَّ لِلْمُسَافِرِ؛ فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ تُمَدَّ الْمِيلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا. وَالْعَتَمَةُ: إثْرَ مَغِيبِ الشَّفَقِ قَلِيلاً قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُهُ فِي اتِّصَالِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَوَقْتِ الْمَغْرِبِ إلَى صَلاَةِ الْفَجْرِ فَقَوْلٌ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ السُّنَنِ، وَلاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إلاَّ عَنْ عَطَاءٍ وَحْدَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي وَقْتِ الْعَتَمَةِ فَلاَ نَعْلَمُ اخْتِيَارَهُ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ عَوَّلَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَاتِ الْمُتَرَادِفَةَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: بِأَنْ تُصَلَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ وَأَنْ يُبْرَدَ بِهَا. رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ: عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَمَالِكٌ جَدُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَرَوَتْهُ عَائِشَةُ مُسْنَدًا، وَمِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ ذَكَرُوا: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ: وَقْتُ الْعَتَمَةِ إلَى صَلاَةِ الْفَجْرِ؛ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: الإِفْرَاطُ فِي الْعَتَمَةِ إلَى صَلاَةِ الْفَجْرِ: فَإِنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ الأَثَرَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لاَِنَّ فِيهِ: وَقْتَ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ؛ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَالرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ تَعَالَى:
قَالَ عَلِيٌّ: وَقْتُ الظُّهْرِ أَطْوَلُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ أَبَدًا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ؛ لاَِنَّ الشَّمْسَ تَأْخُذُ فِي الزَّوَالِ فِي أَوَّلِ السَّاعَةِ السَّابِعَةِ، وَيَأْخُذُ ظِلُّ الْقَائِمِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مِثْلِ الْقَائِمِ بَعْدَ طَرْحِ ظِلِّ الزَّوَالِ فِي صَدْرِ السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ؛ أَمَّا فِي خُمُسِهَا الأَوَّلِ إلَى ثُلُثِهَا الأَوَّلِ: لاَ يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ أَصْلاً فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَوَقْتُ صَلاَةِ الصُّبْحِ مُسَاوٍ لِوَقْتِ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ أَبَدًا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ؛ لاَِنَّ الَّذِي مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى أَوَّلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، كَاَلَّذِي مِنْ آخِرِ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ أَبَدًا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ؛ يَتَّسِعُ فِي الصَّيْفِ، وَيَضِيقُ فِي الشِّتَاءِ؛ لِكِبَرِ الْقَوْسِ وَصِغَرِهِ. وَوَقْتُ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ أَبَدًا: هُوَ أَقَلُّ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَوَقْتِ الْعَصْرِ؛ لاَِنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ هُوَ رُبُعُ النَّهَارِ وَزِيَادَةٌ فَهُوَ أَبَدًا ثَلاَثُ سَاعَاتٍ، وَشَيْءٌ مِنْ السَّاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَوَقْتُ الْعَصْرِ رُبُعُ النَّهَارِ غَيْرَ شَيْءٍ فَهُوَ أَبَدًا ثَلاَثُ سَاعَاتٍ، غَيْرَ شَيْءٍ مِنْ السَّاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَلاَ يَبْلُغُ ذَلِكَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَلاَ وَقْتُ الصُّبْحِ، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ وَقْتُ كُلِّ صَلاَةٍ مِنْهُمَا سَاعَتَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ سَاعَةً وَاحِدَةً وَرُبُعَ سَاعَةٍ مِنْ السَّاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ، وَأَقْصَرِ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ: اثْنَتَا عَشْرَةَ، فَهِيَ تَخْتَلِفُ لِذَلِكَ فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا؛ وَفِي الْهَيْئَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَلاَ فَرْقَ وَأَوْسَعُهَا كُلُّهَا وَقْتُ الْعَتَمَةِ؛ لاَِنَّهُ أَزْيَدُ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَمِقْدَارِ تَكْبِيرَةٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
الشَّفَقُ، وَالْفَجْرُ. قَالَ عَلِيٌّ: الْفَجْرُ: فَجْرَانِ وَالشَّفَقُ: شَفَقَانِ. وَالْفَجْرُ الأَوَّلُ: هُوَ الْمُسْتَطِيلُ الْمُسْتَدَقُّ صَاعِدًا فِي الْفَلَكِ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ، وَتَحْدُثُ بَعْدَهُ ظُلْمَةٌ فِي الآُفُقِ: لاَ يَحْرُمُ الأَكْلُ، وَلاَ الشُّرْبُ عَلَى الصَّائِمِ، وَلاَ يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ صَلاَةِ الصُّبْحِ: هَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ كُلِّهَا. وَالآخَرُ: هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَأْخُذُ فِي عَرْضِ السَّمَاءِ فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ فِي مَوْضِعِ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، يَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا، وَهُوَ مُقَدِّمَةُ ضَوْئِهَا، وَيَزْدَادُ بَيَاضُهُ؛ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ تَوْرِيدٌ بِحُمْرَةِ بَدِيعَةٍ، وَبِتَبَيُّنِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ الصَّوْمِ وَوَقْتُ الأَذَانِ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ وَوَقْتُ صَلاَتِهَا. فأما دُخُولُ وَقْتِ الصَّلاَةِ بِتَبَيُّنِهِ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ وَأَمَّا الشَّفَقَانِ: فَأَحَدُهُمَا الْحُمْرَةُ وَالثَّانِي: الْبَيَاضُ، فَوَقْتُ الْمَغْرِبِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ: يَخْرُجُ وَيَدْخُلُ وَقْتُ صَلاَةِ الْعَتَمَةِ بِمَغِيبِ الْحُمْرَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ. إلاَّ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: يُسْتَحَبُّ فِي الْحَضَرِ خَاصَّةً دُونَ السَّفَرِ: أَنْ لاَ يُصَلِّيَ إلاَّ إذَا غَابَ الْبَيَاضُ؛ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ مَغِيبِ الْحُمْرَةِ فَقَدْ تُوَارِيهَا الْجُدْرَانُ . وقال أبو حنيفة، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَالْمُزَنِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لاَ يَخْرُجُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَلاَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَتَمَةِ إلاَّ بِمَغِيبِ الْبَيَاضِ قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ خُرُوجَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَدُخُولَ وَقْتِ الْعَتَمَةِ بِمَغِيبِ نُورِ الشَّفَقِ؛ وَالشَّفَقُ: يَقَعُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْحُمْرَةِ، وَعَلَى الْبَيَاضِ. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ قَوْلُهُ عليه السلام بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ؛ فَوَجَبَ أَنَّهُ إذَا غَابَ مَا يُسَمَّى شَفَقًا فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَتَمَةِ وَلَمْ يَقُلْ عليه السلام قَطُّ: حَتَّى يَغِيبَ كُلُّ مَا يُسَمَّى شَفَقًا. وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ؛ وَهُوَ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ وَقْتَ الْعَتَمَةِ بِأَنَّ: أَوَّلَهُ إذَا غَابَ الشَّفَقُ، وَآخِرَهُ: ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلِ، وَرُوِيَ أَيْضًا: نِصْفُ اللَّيْلِ. وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالْمَطَالِعِ، وَالْمَغَارِبِ، وَدَوَرَانِ الشَّمْسِ: أَنَّ الْبَيَاضَ لاَ يَغِيبُ إلاَّ عِنْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ؛ وَهُوَ الَّذِي حَدَّ عليه السلام خُرُوجَ أَكْثَرِ الْوَقْتِ فِيهِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ وَقْتَهَا دَاخِلٌ قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ بِيَقِينٍ، فَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ دَاخِلٌ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، الَّذِي هُوَ الْبَيَاضُ بِلاَ شَكٍّ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ قَوْلَ أَصْلاً إلاَّ أَنَّهُ: الْحُمْرَةُ بِيَقِينٍ؛ إذْ قَدْ بَطَلَ كَوْنُهُ: الْبَيَاضَ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالَ: إذَا صَلَّيْنَا عِنْدَ غُرُوبِ الْبَيَاضِ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ بِإِجْمَاعٍ أَنَّنَا قَدْ صَلَّيْنَا عِنْدَ الْوَقْتِ، وَإِنْ صَلَّيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ نُصَلِّ بِيَقِينِ إجْمَاعٍ فِي الْوَقْتِ قال علي: هذا لَيْسَ شَيْئًا؛ لاَِنَّهُ إنْ الْتَزَمُوهُ أَبْطَلَ عَلَيْهِمْ جُمْهُورَ مَذْهَبِهِمْ فَيُقَالُ: مِثْلُ هَذَا فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَفِي الاِسْتِنْشَاقِ، وَالاِسْتِنْثَارِ، وَقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَكُلِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِمَّا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ، وَمِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لاَ يُؤَدُّوا عَمَلاً مِنْ الشَّرِيعَةِ إلاَّ حَتَّى لاَ يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي أَنَّهُمْ قَدْ أَدُّوهُ كَمَا أُمِرُوا. وَمَعَ هَذَا لاَ يَصِحُّ لَهُمْ مِنْ مَذْهَبِهِمْ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ بِلاَ شَكٍّ وَذَكَرُوا حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ ثَالِثَةٍ. وَلَوْ كَانَ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً لَنَا؛ لاَِنَّ الشَّفَقَ الأَبْيَضَ يَبْقَى بَعْدَ هَذِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً بِلاَ خِلاَفٍ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِالأَثَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الآخِرَةَ إذَا اسْوَدَّ اللَّيْلُ وَبَقَاءُ الْبَيَاضِ يَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ الآُفُقِ. قال علي: وهذا خَطَأٌ؛ لاَِنَّهُ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ مَعَ بَيَاضِ الْقَمَرِ، وَهُوَ أَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ الآُفُقِ عَلَى أُصُولِهِمْ: مِنْ الْبَيَاضِ الْبَاقِي بَعْدَ الْحُمْرَةِ، الَّذِي لاَ يَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ الآُفُقِ؛ لِقِلَّتِهِ وَدِقَّتِهِ. وَذَكَرُوا حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ لِسُقُوطِ لَيْلَةِ ثَالِثَةٍ، وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لاَِنَّنَا لاَ نَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ مِنْ تَأْخِيرِهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ؛ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ وَقْتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَذَكَرُوا حَدِيثًا سَاقِطًا مَوْضُوعًا، فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الْعَتَمَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ. وَهَذَا لَوْ صَحَّ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ جَوَازُ الصَّلاَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ وَقَوْلِنَا وَذَكَرُوا عَنْ ثَعْلَبٍ: أَنَّ الشَّفَقَ: الْبَيَاضُ قَالَ عَلِيٌّ: لَسْنَا نُنْكِرُ أَنَّ الشَّفَقَ: الْبَيَاضُ، وَالشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ؛ وَلَيْسَ ثَعْلَبٌ حُجَّةً فِي الشَّرِيعَةِ إلاَّ فِي نَقْلِهِ؛ فَهُوَ ثِقَةٌ، وَأَمَّا فِي رَأْيِهِ فَلاَ وَأَظْرَفُ ذَلِكَ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ: بِأَنَّ الشَّفَقَ: مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّفَقَةِ، وَهِيَ الرِّقَّةُ؛ وَيُقَالُ: ثَوْبٌ شَفِيقٌ إذَا كَانَ رَقِيقًا. قَالُوا: وَالْبَيَاضُ أَحَقُّ بِهَذَا؛ لاَِنَّهَا أَجْزَاءٌ رَقِيقَةٌ تَبْقَى بَعْدَ الْحُمْرَةِ قال علي: وهذا هَوَسٌ نَاهِيك بِهِ فإن قيل لَهُمْ: بَلْ الْحُمْرَةُ أَوْلَى بِهِ؛ لاَِنَّهَا تَتَوَلَّدُ عَنْ الإِشْفَاقِ وَالْحَيَاءِ، وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ هُوَ فِي الْهَزْلِ أَدْخَلُ مِنْهُ فِي الْجَدِّ وقال بعضهم: لَمَّا كَانَ وَقْتُ صَلاَةِ الْفَجْرِ يَدْخُلُ بِالْفَجْرِ الثَّانِي: وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلاَةِ الْعَتَمَةِ بِالشَّفَقِ الثَّانِي فَعُورِضُوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَجْرُ فَجْرَيْنِ، وَكَانَ دُخُولُ وَقْتِ صَلاَةِ الْفَجْرِ يَدْخُلُ بِالْفَجْرِ الَّذِي مَعَهُ الْحُمْرَةُ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ وَقْتِ الْعَتَمَةِ بِالشَّفَقِ الَّذِي مَعَهُ الْحُمْرَةُ. وَقَالُوا أَيْضًا: لَمَّا كَانَتْ الْحُمْرَةُ الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ لاَ تَأْثِيرَ لَهَا فِي خُرُوجِ وَقْتِ صَلاَةِ الْفَجْرِ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا لاَ تَأْثِيرَ لَهَا فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَعُورِضُوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الطَّوَالِعُ: ثَلاَثَةً، وَالْغَوَارِبُ ثَلاَثَةً، وَكَانَ الْحُكْمُ فِي دُخُولِ وَقْتِ صَلاَةِ الصُّبْحِ لِلأَوْسَطِ مِنْ الطَّوَالِعِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي دُخُولِ صَلاَةِ الْعَتَمَةِ لِلأَوْسَطِ مِنْ الْغَوَارِبِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تَخَالِيطُ وَدَعَاوَى فَاسِدَةٌ مُتَكَاذِبَةٌ؛ وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهَا لِيَعْلَمَ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِأَنْ هَدَاهُ لاِِبْطَالِ الْقِيَاسِ فِي الدِّينِ: عَظِيمَ نِعْمَةٍ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِيَتَبَصَّرَ مَنْ غَلِطَ فَقَالَ بِهِ وَمَا تَوْفِيقُنَا إلاَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وَمَنْ كَبَّرَ لِصَلاَةِ فَرْضٍ، وَهُوَ شَاكٌّ هَلْ دَخَلَ وَقْتُهَا أَمْ لاَ لَمْ تُجْزِهِ: سَوَاءٌ وَافَقَ الْوَقْتَ أَمْ لَمْ يُوَافِقْهُ؛ لاَِنَّهُ صَلاَّهَا بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ وَإِنَّمَا أُمِرَ أَنْ يَبْتَدِئَهَا فِي وَقْتِهَا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.
فَلَوْ بَدَأَهَا وَهُوَ عِنْدَ نَفْسِهِ مُوقِنٌ بِأَنَّ وَقْتَهَا قَدْ دَخَلَ فَإِذَا بِالْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ لَمْ تُجْزِهِ أَيْضًا؛ لاَِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا كَمَا أُمِرَ، وَلاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ الْوَقْتُ؛ وَيَكُونُ الْوَقْتُ قَدْ دَخَلَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
كُلُّ مَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ تُجْزِهِ صَلاَةُ الصُّبْحِ إلاَّ بِأَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ بَيْنَ سَلاَمِهِ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَبَيْنَ تَكْبِيرِهِ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ. وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا تَرْكُ الضَّجْعَةِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا؛ وَسَوَاءٌ صَلاَّهَا فِي وَقْتِهَا أَوْ صَلاَّهَا قَاضِيًا لَهَا مِنْ نِسْيَانٍ، أَوْ عَمْدِ نَوْمٍ. فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَضْطَجِعَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الضَّجْعَةِ عَلَى الْيَمِينِ لِخَوْفٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ حَسْبَ طَاقَتِهِ فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ، حدثنا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ هُوَ السَّمَّانُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ. فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: مَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ عِنْدَهَا: تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ قَالَ: لاَ؛ وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ وَجَبُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: فَمَا ذَنْبِي إنْ كُنْت حَفِظْت وَنَسُوا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: مَرَّ بِي أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَأَنَا أُصَلِّي فَقَالَ: افْصِلْ بِضَجْعَةٍ بَيْنَ صَلاَةِ اللَّيْلِ، وَصَلاَةِ النَّهَارِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهُ عَلَى الْفَرْضِ، حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ غَيْرُ مُدَّعًى بِالْبَاطِلِ: عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ، فَنَقِفُ عِنْدَهُ، وَإِذَا تَنَازَعَ الصَّحَابَةُ رضي الله تعالى عنهم فَالرَّدُّ إلَى كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَإِنْ قَالُوا: قَدْ وَرَدَ إنْكَارُ الضَّجْعَةِ عن ابْنِ مَسْعُودٍ قلنا: نَعَمْ؛ وَخَالَفَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ؛ وَمَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِ وَعَمَلِهِ. وَإِنْ كَانَ إنْكَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ: حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم: فَقَدْ أَنْكَرَ رضي الله عنه: وَضْعَ الأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الصَّلاَةِ، وَضَرَبَ الْيَدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَنْكَرَ قَصْرَ الصَّلاَةِ إلاَّ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ وَأَنْكَرَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَمَا الْتَفَتُّمْ إنْكَارَهُ فَالآنَ اسْتَدْرَكْتُمْ هَذِهِ السُّنَّةَ. وَقَالُوا: لَوْ كَانَتْ الضَّجْعَةُ فَرْضًا لَمَا خَفِيَتْ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ. فَقُلْنَا لَهُمْ: فَهَلاَّ قُلْتُمْ مِثْلَ هَذَا فِي إتْمَامِ عُثْمَانَ رضي الله تعالى عنه بِمِنًى؛ وَإِتْمَامِ عَائِشَةَ وَسَعْدٍ رضي الله عنهما فَقُولُوا: لَوْ كَانَ قَصْرُ الصَّلاَةِ سُنَّةً مَا خَفِيَ عَلَى هَؤُلاَءِ وَهَلاَّ قُلْتُمْ: لَوْ كَانَ الْجُلُوسُ فِي آخِرِ الصَّلاَةِ فَرْضًا مَا خَفِيَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه حِينَ يَقُولُ: إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ آخِرِ صَلاَتِك مِنْ السُّجُودِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُك، فَإِنْ شِئْت فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت فَاقْعُدْ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا؛ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَفْزَعُونَ إلَيْهِ إذَا ضَاقَ بِهِمْ الْمَجَالُ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ تَارِكٍ لَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا: فَبَطَلَتْ صَلاَةُ مَنْ لَمْ يَضْطَجِعْ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَغَيْرِهِمْ قلنا: إنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْجُورٌ يُصَلِّي، وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ النَّصُّ؛ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِيمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَعَنَدَ. ثُمَّ نَعْكِسُ قَوْلَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَنَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ: أَتَرَى بَطَلَتْ صَلاَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ وَافَقَهُ؛ إذَا كَانَ يُصَلِّي، وَلاَ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ: أَتَرَى صَلاَةَ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَاسِدَةً، إذْ كَانَا يُصَلِّيَانِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْفِ أَحَدِهِمَا دَمٌ، وَمِنْ بَثْرَةٍ بِوَجْهِ الآخَرِ دَمٌ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ لِذَلِكَ. وَنَقُولُ لِجَمِيعِهِمْ: أَتَرَوْنَ صَلاَةَ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَزَيْدٍ، وَغَيْرِهِمْ: كَانَتْ فَاسِدَةً إذَا كَانُوا يَرَوْنَ: أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَلَمْ يُنْزِلْ فَلاَ غُسْلَ عَلَيْهِ، وَيُفْتُونَ بِذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، يَعُودُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ حُجَّةٌ غَيْرُ التَّشْنِيعِ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ؛ لاَِنَّهُمْ أَشَدُّ خِلاَفًا عَلَى الصَّحَابَةِ مِنَّا، وَسُؤَالُهُمْ هَذَا لاَزِمٌ لاَِبِي هُرَيْرَةَ كَلُزُومِهِ لَنَا، وَلاَ فَرْقَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِي، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا إذَا صَلَّوْا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعُوا وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أُنْبِئْت: أَنَّ أَبَا رَافِعٍ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا مُوسَى، كَانُوا يَضْطَجِعُونَ عَلَى أَيْمَانِهِمْ إذَا صَلَّوْا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غَيَّاثٍ، هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ وَيَضَعُ جَنْبَهُ فِي الأَرْضِ وَيَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلاَةِ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي " كِتَابِ السَّبْعَةِ " أَنَّهُمْ يَعْنِي: سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ: كَانُوا يَضْطَجِعُونَ عَلَى أَيْمَانِهِمْ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ فَإِنْ عَجَزَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالثَّانِي: مَنْ زَادَ عَمَلاً لاَ يَجُوزُ لَهُ نَاسِيًا، وَكَانَ قَدْ أَوْفَى جَمِيعَ عَمَلِهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَمِلَ مَا أُمِرَ، وَكَانَ مَا زَادَ بِالنِّسْيَانِ لَغْوًا لاَ حُكْمَ لَهُ فَإِنْ أَدْرَكَ إعَادَةَ الصَّلاَةِ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ أَنْ يَضْطَجِعَ وَيُعِيدَ الْفَرِيضَةَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلاَّ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الإِعَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالضَّجْعَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ؛ لاَِنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَهَا، وَلاَ يُجْزِئُ عَمَلُ شَيْءٍ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَلاَ فِي غَيْرِ زَمَانِهِ، وَلاَ بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ؛ لاَِنَّ هَذَا كُلَّهُ هُوَ غَيْرُ الْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى هَذِهِ الأَحْوَالِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الصُّبْحِ بِنِسْيَانٍ، أَوْ بِنَوْمٍ فَنَخْتَارُ لَهُ إذَا ذَكَرَهَا وَإِنْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِقَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ أَنْ يَبْدَأَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يَضْطَجِعُ، ثُمَّ يَأْتِي بِصَلاَةِ الصُّبْحِ وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ غَفَلَ عَنْ صَلاَةٍ بِنَوْمٍ، أَوْ بِنِسْيَانٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا أَنْ يَزُولَ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ بِجِسْمِهِ فِيهِ إلَى مَكَان آخَرَ؛ وَلَوْ الْمَكَانَ الْمُتَّصِلَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ فَمَا زَادَ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا أَبَانُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ نَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمْ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي، حدثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، حدثنا خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ، حدثنا أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ الآُمَرَاءِ؛ فَلَمْ تُوقِظْنَا إلاَّ الشَّمْسُ طَالِعَةً، فَقُمْنَا وَهِلِينَ لِصَلاَتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى تَعَالَتْ الشَّمْسُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَرْكَعْهُمَا فَقَامَ مَنْ يَرْكَعُهُمَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَرْكَعُهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَادَى بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ عَلِيٌّ: فإن قيل: لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُ الضَّجْعَةِ قلنا: قَدْ يَسْكُتُ عَنْهَا الرَّاوِي، كَمَا يَسْكُتُ عَنْ الْوُضُوءِ، وَعَمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ مِنْ ذِكْرِ التَّكْبِيرِ لِلإِحْرَامِ وَالسَّلاَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْخَبَرُ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ عليه السلام بِالضَّجْعَةِ وَلَيْسَ جَمِيعُ السُّنَنِ مَذْكُورَةً فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَلاَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَالتَّعَلُّلُ بِهَا قَدَحٌ فِي جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ: أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا؛ فَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ إلاَّ، وَهُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ. فَكُلُّ مَنْ تَعَلَّلَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَذَانِ لِلصَّلاَةِ الْمَنْسِيَّةِ، وَفِي أَمْرِهِ بِصَلاَةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ، وَفِي أَمْرِهِ عليه السلام بِالتَّأَنِّي [ وَالاِنْتِشَارِ وَالتَّحَوُّلِ بِمَا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ، وَافْتَرَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. وَقَدْ ذَكَرَ الأَذَانَ لَهَا وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهُمَا: حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فإن قيل: قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُمْ حِينَئِذٍ مَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلاَةَ الْغَدَاةِ فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا قلنا: نَعَمْ، قَدْ رُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ، وَرُوِيَ لِيُصَلِّهَا أَحَدُكُمْ مِنْ الْغَدَاةِ لِوَقْتِهَا. وَرُوِيَ فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلاَةِ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا وَمِنْ الْغَدِ لِلْوَقْتِ، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَقْضِيهَا لِمِيقَاتِهَا مِنْ الْغَدِ وَأَنَّهُمْ قَالُوا: أَلاَ نُصَلِّي كَذَا وَكَذَا صَلاَةً قَالَ: لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ. وَكُلُّ هَذَا صَحِيحٌ وَمُتَّفِقُ الْمَعْنَى؛ وَإِنَّمَا يُشْكِلُ مِنْ هَذِهِ الأَلْفَاظِ مَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلاَةَ الْغَدَاةِ فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا، وَإِذَا تُؤُمِّلَ فَلاَ إشْكَالَ فِيهِ؛ لاَِنَّ الضَّمِيرَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ رَاجِعٌ إلَى " الْغَدَاةِ " لاَ إلَى الصَّلاَةِ: أَيْ فَلْيَقْضِ مَعَ الْغَدَاةِ مِثْلَ هَذِهِ الصَّلاَةِ الَّتِي يُصَلِّي، بِلاَ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا: أَيْ: فَلْيُؤَدِّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلاَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ كُلَّ يَوْمٍ؛ فَتَتَّفِقُ الأَلْفَاظُ كُلُّهَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. صِفَةُ الصَّلاَةِ، وَمَا لاَ تُجْزِئُ إلاَّ بِهِ: لاَ تُجْزِئُ أَحَدًا صَلاَةٌ إلاَّ بِثِيَابٍ طَاهِرَةٍ، وَجَسَدٍ طَاهِرٍ، فِي مَكَان طَاهِرٍ قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا الأَشْيَاءَ الْمُفْتَرَضَ اجْتِنَابُهَا؛ فَمَنْ صَلَّى غَيْرَ مُجْتَنِبٍ لَهَا فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَنْسِ مَا كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهِ؛ وَبِأَنْ تُطَيَّبَ الْمَسَاجِدُ وَتُنَظَّفَ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِسْنَادِهِ وَجُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ: الْقَلْبُ: فَقَدْ خَصَّ الآيَةَ بِدَعْوَاهُ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَالأَصْلُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ: أَنَّ الثِّيَابَ هِيَ الْمَلْبُوسَةُ وَالْمُتَوَطَّأَةُ، وَلاَ يُنْقَلُ عَنْ ذَلِكَ إلَى الْقَلْبِ وَالْعَرَضِ إلاَّ بِدَلِيلٍ، وَلاَ حَالَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ حَالاَنِ، لاَ ثَالِثَ لَهُمَا: حَالُ الصَّلاَةِ، وَحَالُ غَيْرِ الصَّلاَةِ. وَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لاَ يُحْرَجُ مَنْ فِي بَدَنِهِ شَيْءٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ وَفِي ثِيَابِهِ أَوْ فِي مَقْعَدِهِ فِي حَالِ غَيْرِ الصَّلاَةِ؛ وَإِنَّمَا الْكَلاَمُ: هَلْ ذَلِكَ مُبَاحٌ فِي الصَّلاَةِ أَمْ لاَ فَإِذَا خَرَجَتْ حَالُ غَيْرِ الصَّلاَةِ بِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ لَمْ يَبْقَ حَيْثُ تُسْتَعْمَلُ أَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ لِلصَّلاَةِ؛ فَهَذَا فَرْضٌ فِيهَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَمَنْ أَصَابَ بَدَنَهُ أَوْ ثِيَابَهُ أَوْ مُصَلاَّهُ شَيْءٌ فُرِضَ اجْتِنَابُهُ بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ سَالِمًا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ: أَزَالَ الثَّوْبَ وَإِنْ بَقِيَ عُرْيَانًا مَا لَمْ يُؤْذِهِ الْبَرْدُ، وَزَالَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ وَأَزَالَهَا عَنْ بَدَنِهِ بِمَا أُمِرَ أَنْ يُزِيلَهَا بِهِ، وَتَمَادَى عَلَى صَلاَتِهِ وَأَجْزَأَهُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ. فَإِنْ نَسِيَ حَتَّى عَمِلَ عَمَلاً مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ مِنْ صَلاَتِهِ أُلْغِيَ، وَأَتَمَّ الصَّلاَةَ، وَأَتَى بِذَلِكَ الْعَمَلِ كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ، مَا لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ؛ فَإِنْ انْتَقَضَتْ أَعَادَ الصَّلاَةَ مَتَى ذَكَرَ. فَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ إلاَّ فِي مَكَان مِنْ صَلاَتِهِ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ صَلاَتُهُ مِثْلُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ، أَوْ مَا زَادَ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَالْجُلُوسِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ: فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ؛ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ فَإِنْ تَعَمَّدَ مَا ذَكَرْنَا: بَطَلَتْ صَلاَتُهُ؛ وَكَانَ كَمَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَلاَ فَرْقَ، لاَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّلاَةِ إلاَّ فِي وَقْتِهَا فَصَحَّ الآنَ أَنَّ النَّاسِيَ يُعِيدُ أَبَدًا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا. وَالنَّاسِي: هُوَ الَّذِي عَلِمَ الشَّيْءَ ثُمَّ نَسِيَهُ، وَبَعْضُ الصَّلاَةِ: صَلاَةٌ بِنَصِّ حُكْمِ اللُّغَةِ وَالضَّرُورَةِ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ، أَوْ بَعْضَ أَعْضَائِهِ، أَوْ نَسِيَ سَتْرَ عَوْرَتِهِ فَإِنْ ابْتَدَأَ صَلاَتَهُ كَذَلِكَ أَعَادَهَا أَبَدًا. وَصَحَّ: أَنَّ الْعَامِدَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّلاَةِ إلاَّ فِي وَقْتِهَا؛ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَمَّا الْجَاهِلُ: وَهُوَ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ الشَّيْءَ إلاَّ فِي صَلاَتِهِ أَوْ بَعْدَهَا كَمَنْ كَانَ فِي ثِيَابِهِ، أَوْ بَدَنِهِ، أَوْ فِي مَكَانِهِ: شَيْءٌ فُرِضَ اجْتِنَابُهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ كُلَّ مَا صَلَّى كَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، وَهُوَ لاَ يَرَى. وَكَذَلِكَ مَنْ جَهِلَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ طَهَارَتِهِ، أَوْ صَلاَتِهِ ثُمَّ عَلِمَهَا: فَإِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ إعَادَةَ عَلَيْهِمْ إلاَّ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ، لاَ بَعْدَ الْوَقْتِ بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الصَّحَابَةَ، رضي الله عنهم، كَانُوا فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْفَرَائِضُ تَنْزِلُ؛ كَتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، وَالزِّيَادَةِ فِي عَدَدِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ عليه السلام بِإِعَادَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ بَلَغَهُ ذَلِكَ، وَأَمَرَ الَّذِي رَآهُ لَمْ يُتِمَّ صَلاَتَهُ أَنْ يُعِيدَهَا. فَصَحَّ بِذَلِكَ: أَنْ يَأْتِيَ بِمَا جَهِلَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إذَا عَلِمَهُ؛ مَا دَامَ الْوَقْتُ قَائِمًا فَقَطْ وَأَمَّا الْمُكْرَهُ، وَالْعَاجِزُ؛ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا: إنْ زَالَ الإِكْرَاهُ، أَوْ الضَّرُورَةُ بَعْدَ الصَّلاَةِ: فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَإِنْ زَالَ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ؛ فَأَتَمَّهَا كَمَا يَقْدِرُ وَاعْتَدَّ بِمَا عَمِلَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ، وَلاَ سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ: إنْ كَانَ عَمَلٌ مَأْمُورٌ بِهِ، فَهُوَ فِيهَا جَائِزٌ كَثُرَ أَوْ قَلَّ، وَإِزَالَةُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَى الْمَرْءِ اجْتِنَابُهُ فِي الصَّلاَةِ مَأْمُورٌ بِهِ فِيهَا؛ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الصَّلاَةِ وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَإِنْ بَقِيَ عُرْيَانًا؛ فَلاَِنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ: أَحَدُهُمَا: سَتْرُ الْعَوْرَةِ؛ وَالثَّانِي: اجْتِنَابُ مَا أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ صَلَّى غَيْرَ مُجْتَنِبٍ؛ لِمَا أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ فَقَدْ تَعَمَّدَ فِي صَلاَتِهِ عَمَلاً مُحَرَّمًا عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ؛ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ. وَإِذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا أُمِرَ بِالاِسْتِتَارِ بِمِثْلِهِ؛ فَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الاِسْتِتَارِ، وَلاَ حَرَجَ عَلَى الْمَرْءِ فِيمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ نَسِيَ حَتَّى عَمِلَ عَمَلاً مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ فِي صَلاَتِهِ أَلْغَاهُ، وَأَتَمَّ الصَّلاَةَ وَأَتَى بِذَلِكَ الْعَمَلِ كَمَا أُمِرَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ، مَا لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ. فَلِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ مَا نَسِيَهُ الْمَرْءُ فِي صَلاَتِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لاَ يُبْطِلُ صَلاَتَهُ؛ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ أَعَادَهَا أَبَدًا مَتَى ذَكَرَ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، وَبَعْضُ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ عَلَيْهِ فَفَرْضٌ أَنْ يُصَلِّيَهَا، وَأَنْ يَأْتِيَ بِمَا نَسِيَ، وَبِمَا لاَ يُجْزِئُ إذَا مَا نَسِيَ إلاَّ بِهِ، مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، أَوْ ابْتِدَاءِ الصَّلاَةِ عَلَى تَرْتِيبِهَا، إلَى أَنْ يُتِمَّ مَا نَسِيَ مِنْ صَلاَتِهِ إلاَّ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ إلاَّ فِي مَكَان مِنْ صَلاَتِهِ لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ بِذَلِكَ، إلَى آخِرِ كَلاَمِنَا؛ فَلاَِنَّهُ قَدْ وَفَّى جَمِيعَ أَعْمَالِ صَلاَتِهِ سَالِمَةً كَمَا أُمِرَ؛ وَكَانَتْ تِلْكَ الأَعْمَالُ الزَّائِدَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلاَةُ جَائِزَةً دُونَهَا: فَإِنَّهَا فِي جُمْلَةِ الصَّلاَةِ، وَفِي حَالٍ لَوْ تَعَمَّدَ فِيهَا مَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ لَبَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَكَانَ مِنْهُ فِيهَا مَا كَانَ نَاسِيًا فَزَادَ فِي صَلاَتِهِ عَمَلاً بِالسَّهْوِ لاَ يَجُوزُ لَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ سُجُودُ السَّهْوِ، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلاَةِ لِلْقَذَرِ الَّذِي كَانَ فِيهِمَا، وَعَنْ الْحَسَنِ إذَا رَأَيْت فِي ثَوْبِك قَذَرًا فَضَعْهُ عَنْك وَامْضِ فِي صَلاَتِك، وَقَدْ أَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: غَسْلَ الرُّعَافِ فِي الصَّلاَةِ فأما الصَّلاَةُ بِالنَّجَاسَةِ: فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: لاَ يُعِيدُ الْعَامِدُ لِذَلِكَ وَالنَّاسِي إلاَّ فِي الْوَقْتِ قال علي: وهذا خَطَأٌ؛ لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَدَّى الصَّلاَةَ الَّتِي أُمِرَ بِهَا كَمَا أُمِرَ، أَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا كَمَا أُمِرَ؛ فَإِنْ كَانَ أَدَّاهَا كَمَا أُمِرَ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ظُهْرَيْنِ، وَلاَ مَعْنَى لاِِعَادَتِهِ صَلاَةً قَدْ صَلاَّهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّهَا كَمَا أُمِرَ فَمِنْ قَوْلِهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ أَبَدًا؛ فَظَهَرَ بُطْلاَنُ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ الصَّلاَةِ الَّتِي تَأْمُرُونَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ، وَلاَ تَأْمُرُونَهُ بِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ: أَفَرْضٌ هِيَ عِنْدَكُمْ أَمْ نَافِلَةٌ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ وَبِأَيِّ نِيَّةٍ يُصَلِّيهَا أَبِنِيَّةِ أَنَّهَا الْفَرْضُ اللاَّزِمُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَمْ بِلاَ نِيَّةٍ، لاَ لِفَرْضٍ، وَلاَ لِتَطَوُّعٍ فَإِنْ قُلْتُمْ: هِيَ فَرْضٌ، وَلاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ؛ فَمِنْ أَصْلِكُمْ الَّذِي لَمْ تَخْتَلِفُوا فِيهِ: أَنَّ الْفَرْضَ يُصَلَّى أَبَدًا، وَلاَ يَسْقُطُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فِيهِ، فَهَذَا تَنَاقُضٌ وَهَدْمٌ لاَِصْلِكُمْ. وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا وَتَأْمُرُونَهُ بِأَنْ يَدْخُلَ فِيهَا بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّ التَّطَوُّعَ لاَ يُجْزِئُ بَدَلَ الْفَرْضِ فِي الدُّنْيَا، وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ تَرْكَ الْفَرْضِ وَيُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ عِوَضًا مِنْ الْفَرْضِ، وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَهُ بِذَلِكَ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ؛ بَلْ هُوَ خُرُوجُ الْكُفْرِ بِلاَ شَكٍّ وَإِنْ قُلْتُمْ: لاَ يُصَلِّيهَا بِنِيَّةِ فَرْضٍ، وَلاَ تَطَوُّعٍ كَانَ هَذَا بَاطِلاً مُتَيَقَّنًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَهَذَا لاَ عَمَلَ لَهُ، إذْ لاَ نِيَّةَ لَهُ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ، فَقَدْ أَمَرْتُمُوهُ بِالْبَاطِلِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: يُعِيدُ أَبَدًا فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ قال علي: وهذا خَطَأٌ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ؛ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وقال أبو حنيفة: مَنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ فِي الصَّلاَةِ وَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ: أَيْ نَجَاسَةٌ: بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا فَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ؛ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ فِي الْعَمْدِ؛ وَالنِّسْيَانِ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، وَكَانَتْ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ يَدَيْهِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ رُكْبَتَيْهِ، أَوْ حِذَاءِ إبِطَيْهِ: فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ وُقُوعِ جَبْهَتِهِ فِي السُّجُودِ. فَمَرَّةً قَالَ: صَلاَتُهُ تَامَّةٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَرَّةً قَالَ: صَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ; وَبِهِ يَقُولُ زُفَرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ: فَسَدَتْ تِلْكَ السَّجْدَةُ وَحْدَهَا خَاصَّةً وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْهَا وَإِنْ سَجَدَهَا مَا دَامَ فِي صَلاَتِهِ تَمَّتْ صَلاَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى أَتَمَّ صَلاَتَهُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ كُلُّهَا وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فِي هَذَا أَسْقَطَ مِنْ قَوْلِهِمْ؛ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ، وَلاَ رُكْبَتَيْهِ فِي السُّجُودِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ صَلاَتَهُ شَيْئًا بِخِلاَفِ قَدَمَيْهِ قال علي: وهذا احْتِجَاجٌ لِلْبَاطِلِ بِأَشْنَعَ مَا يَكُونُ مِنْ الْبَاطِلِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِخْفَافٌ بِالصَّلاَةِ، وَيَلْزَمُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنْ تَتِمَّ صَلاَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْ جَبْهَتَهُ بِالأَرْضِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إلاَّ أَنَّهَا فِي مَوْضِعٍ يُسَجِّيهِ، وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ جِسْمِهِ، فَإِنْ كَانَ إذَا تَحَرَّكَ فِي صَلاَتِهِ لِقِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ تَحَرَّكَتْ النَّجَاسَةُ: بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَإِلاَّ فَلاَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمُصَلِّي الْمُبَطِّنُ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، إنْ كَانَ فِي الْبَاطِنَةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ غَيْرِ نَافِذَةٍ إلَى الْوَجْهِ بَطَلَتْ الصَّلاَةُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ تَبْطُلُ، وَهُمَا ثَوْبَانِ قال أبو محمد: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ يَنْبَغِي حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلاَمَةِ مِنْهَا، وَلاَ مَزِيدَ، وَلاَ سَلَفَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ثُمَّ الْعَجَبُ قَوْلُهُمْ لِمَنْ أَخَذَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِصِحَّةِ نَقْلِهِ وَبَيَانِهِ: قُولُوا لَنَا: مَنْ قَالَ بِهَذَا قَبْلَكُمْ فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُعَنَّفُ مَنْ أَخَذَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، الَّتِي أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا، حَتَّى يَأْتِيَ بِاسْمِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ، وَلاَ يُعَنَّفُ مَنْ قَالَ بِرَأْيِهِ مُبْتَدِئًا دُونَ مُوَافِقٍ مِنْ السَّلَفِ مِثْلُ هَذِهِ الأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ الْمُتَنَاقِضَةِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى هِدَايَتِهِ لَنَا وَتَوْفِيقِهِ إيَّانَا
|